"ربنــا يشـفي".. قصة قصيرة لبستاني النداف
بلدتنا غارقة في الوحل ،سماؤنا ملبدة بالغيوم، الرعد والبرق يتقاتلان للفوز بغيمة حبلى.
الغيمة تلهث بعيدا عنهما ،ثقل بطنها يجعل حركتها بطيئة كسلحفاة تسير على الأرض ،تحرشهما بها يجعلها تحاول قذف جنينها على الأرض.
بيوتنا الطينية يضايقها تحرشهما بها ،بيت منهك يصرخ
- أهم ينبسطوا واحنا نتنيل بستين نيله.
شوارعنا المتسخة تستغيث ،شارعنا العجوز يسعل بصعوبة
- هو مش كفاية رجلين البني أدمين و الحمير والتكاتك ،كمان حالة تحرش وف الآخر احنا اللي نغرق ف هدومنا ، نجيينا م الشغلانة دي يا رب.
الأطفال سعداء بالمطر و بالثلوج التي أنجبها ،لأول مرة في حياتهم يمسكون بحبات الثلج عرق الغيمة المتساقط من فرط إجهادها ومحاولة ابعادهما عنها.
كلبة تهز ذيلها في حالة جوع شبقي يطاردها ثلاثة كلاب , تجري أمامهم , وهي تقفز تنظر للغيمة , تغمز لها بعينها
- مش انت بس اللي حلوه , انت بيجروا وراكي اتنين ,أهم بيجروا وراي تلاته , يا تقيله يا أم كرش كبير .
تبصق الغيمة عليها فتغرق فروها , تنثر الماء من على جسدها , ثم تضحك وتخرج لسانها للغيمة .
- ولو يا ام كرش .
ثم تستمر المطاردة.
كلبة أخرى ترى عشيقها يجرى وراء الأولى فتنشد بحزن
- سيبونى ياناس سيبونى ............ دا الواسعه ضاقت بي
من يوم ما سابني حبيبي...........الموت ارحم لي[1]
الأولاد يجرون وراء الكلاب.
- شك يا حاح،شك يا حاح.
أحدهم يجري وراء ابنه ويقول
- أوقف يا ابن الكلبه.
يضحك الأولاد عليه؛ احمرار وجهه يشي بأن الولد أصابه الخجل الشديد ، يتجه الولد ناحية الكلبة ويقول بغيظ شديد
- هي أمي كلبه بصحيح !
ثم يشير بإصبعه السبابة ناحية الكلاب ويقول
- لكن مين في دول أبويا ؟!
يغضب الأب ومطاردة من نوع جديد تحدث بينهما، يقع على أثرها الأب في بركة الطين؛شارعنا العجوز يضحك.
- حلال فيك يا أبولسان زفر.
الأولاد يشاركون الشارع ضحكاته ،أحدهم يرفع جلبابه ثم يخرج ال......؛تنهال المياه المنحدرة على الشارع الذي يتأفف.
- اخص الله يكسفك ،اف ريحتك زفت.
حمار يجر عربة كارو يعبر البركة ،يفعل مثلما فعل الولد ، يمتد ال....... ثم تنهال المياه متدفقة على وجه الشارع ؛ الذي يكاد أن يتقيأ مما حل به،ثم ينظر للولد بلهجة أقرب للاعتذار
- اهو اللي يابى الكف ياخد النبوت.
شاعر بلدنا يتأبط قطته ويتابع الأحداث من الشرفة ،يضع يده على عينيها عندما يرى أحد الكلاب يفوز بالكلبة ،الأولاد يزفونهما، ويطاردونهما ؛ حتى دخلا منهم القصب.
شاعر بلدنا يحادث قطته
- اللي بتعمله الكلبه دا عيب ،خدي بالك من نفسك دا الشرف غالي ،زي عودة الكبريت ميولعش غير مره واحده بس ،أنا عاوز أمشي في البلد رافع راسي.
ثم يضحك ويقوم بالتقاط صورة له مع قطته "سيلفي " عبر تليفونه المحمول، يضع يده على فرو قطته في حنان ويستمران في متابعة أحداث القرية.
يمسك تليفونه ، يرسل صورتهما عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، يعلق على الصورة
" قطتي تتابع أخبار المطر من البلكونه ".
أحدهم يعلق
- بلكونه،بلكووووونه يا شاعر دا واحد من بلدنا كان عنده مرض البلكونات اخدوا يعالجوا فيه ست سنين.
يعلق آخر.
- "يا رب سلم من مرض البلكونات اليومين دول، دا بقى صعب قووووووي."
كتب آخر.
- "يا عين يا عنيه يا خاينه يا رديه، من عين أمه من عين أبوه، من عين حواسد حسدوه ، من عين بنيه فيها .........، من عين وليد فيه ............[2]،نجي شاعرنا من مرض البلكونات.
يكتب آخر
- على كده كل بيت شعر بيكتبوه فيه بلكونه،ههههههههه.
آخر
- هههههههه ههههههههه هههههههههه
يعلق أحدهم
- وأنا بقول بيستقبل الإلهام من فين ، طلع من البلكونة .
يعلق آخر
- ها ها هاها هاهاهاها هاهاهاها.
يكتب آخر
- - دي بلد بتاعة بلكونات بصحيح
يعلق آخر " هع هعهعهعهعهع هعهعهعهعهعهع هعهعهعهعهعهع."
تنفصل بطارية التليفون ، يعود ليتابع أحداث الشارع من جديد، قطته تحاول الإفلات من تحت إبطه ، يزداد مواؤها ، تقفز منه ، تجري ناحية قط ينتظرها بعيون متلهفة ، من أسفل تنظر له وتقول
- معليهش يا صاحبي دي سنة الحياة .
يشير إليها بأصابعه.
- سلام معطلكيش.
تنادي زوجته من الداخل بصوت يشبه صوت الرعد
- - بتكلم مين؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- - لأ،احمممم،آآآآآآآآآآه ،دا ،أناااااااااا.
- - انت ايه، انطق ؟!.
- أنا بألف قصيدة شعر.
- قصيده في مين يا روح الروح.
- في ... في ... غيمه ف السما ورعد وبرق وكلاب وقطط وأولاد.
- امممممممممممممم،غيمة ورعد وكلااااب وقطط وأولااااااااااااااد ......... طيب ربنا يشفي!!!
[1] فلكلور شعبي ينتمي لجنوب مصر
[2] فلكلور شعبي ينتمي لجنوب مصر
الشاعر سيد عبد الرازق يكتب: حول جائزة الشارقة للإبداع
