الأحد 19 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

بيمنعونا من دخول الحمام.. شهادات موظفي شركة كوول سنتر بعد انتحار زميلهم | تحقيق

القاهرة 24
تقارير وتحقيقات
الأربعاء 29/ديسمبر/2021 - 06:04 م

أيام صعبة قضاها الموظف نور الدين قبل الانتحار، ضغوط نفسية ومادية دفعته إلى إلقاء نفسه من الطابق الثالث لترتطم رأسه بالأرض وتنتهي حياته قبل إسعافه، تاركا خلفه تساؤلات كثيرة تُحقق فيها الجهات المسئولة في مصر. 

نور الدين البالغ من العمر 41 عاما يعمل كموظف كول سنتر في شركة كول سنتر شهيرة، تقع بالتجمع الخامس المتخصصة في خدمات العملاء من خلال الاتصالات الهاتفية، لم يستطع الوقوف أمام تعنت مديره الذي كان يتعامل معه بقسوة وهدده بالفصل من العمل أكثر من مرة، ما تسبب في مروره بحالة نفسية سيئة، حسب شهود عيان وتحقيقات أولية للنيابة. 

هذا الموظف ليس الوحيد الذي تعرض لممارسات غير آدمية أدت لسوء حالته النفسية ثم الإقبال على الانتحار لكن هناك آخرين نجوا من هذه التجربة عبر الاستقالة لكنهم لا زالوا يعانون من الضغط النفسي الذي تعرضوا له أثناء عملهم، تحدثوا لـ القاهرة 24. 

شركة خدمات العملاء من خلال الاتصالات الهاتفية تمتلك العديد من الفروع داخل جمهورية مصر العربية من بينها التجمع الخامس والدقي، وتحتوي على العديد من الأقسام كل قسم يقوم على لغة معينة إما العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، وداخل كل قسم يوجد هناك تقسيم آخر حيث تتعاقد كل مجموعة مع عميل كبير أجنبي لتسيير الأعمال من خلال الشركة في القاهرة، ويعمل داخل الشركة نحو 7 آلاف موظف.

وتسبب حادث انتحار موظف الشركة في إثارة الرأي العام المصري الذي طالب بمحاسبة الشركة والتحقيق في الواقعة الذي بدأ بالفعل، وسط محاولات لإخفاء الأدلة عبر إتلاف كاميرات الشركة نتيجة حريق نشب بعد الحادث. 

يسرد حسام - اسم مستعار- أحد ضحايا الشركة الناجين المعاملة القاسية التي تعرض لها خلال عمله، مضيفا أنه استقال من الشركة قبل أشهر قليلة بسبب الممارسات غير الإنسانية التي تعرض لها طوال عمله بالشركة. 

كانت الأرقام والتارجت هي المعيار في التعامل مع موظفي الشركة حسب ع ب، الذي أكد أن تعثر أي موظف في تحقيق الأرقام المطلوبة يواجه ضغوطات نفسية ومادية تحول حياته لكابوس وتدفع البعض لأفكار صعبة كالانتحار. 

ويؤكد حسام خريج كلية التجارة الذي عمل بشركة الاتصالات على مدار سنتين ونصف، أن الشركة لا تلتفت أبدًا إلى الأعذار الإنسانية والحالة الصحية والنفسية للعاملين بها.

وحسب التحريات الأولية والتحقيقات وشهادات زملاء الموظف المتوفي فإن مديري الشركة يمنعون العاملين بها من دخول دورة المياه لقضاء حاجتهم، وهو ما أكده أيضا الموظف المستقيل قائلا: فيه فريق في الشركة مختص بتوزيع الأوقات المسموح للجميع أخذ استراحة لأي غرض ومن بينها دخول الحمام ويجب على الجميع الالتزام بالجدول الموضوع حتى في حالة الرغبة بالدخول للحمام، ويمنع على أي موظف مخالفة هذه القواعد ومن يخالفها يتعرض للجزاء".

ويؤكد الموظف الناجي أن الراوية الخاصة بانتحار نور الدين وهي تهديده بإنهاء خدماته قبل الحصول على البونص حقيقية، مضيفا أن الشركة ترغب في تقليل النفقات من خلال خفض أعداد الموظفين الذين يحق لهم الحصول على البونص الذي يكون ضعف الراتب الشهري والمقرر أن يحصل عليه الموظفون خلال شهر فبراير المقبل.

ويتعرض الموظفون لكتابة الاستقالة بالإجبار حسب حسام، معللا ذلك بأن الرفت سيتطلب إجراءات قانونية تُعطي الموظف المفصول الحق في مقاضاة الشركة، وعلى الرغم من عدم تعرضه لحادث مشابه يجعله يضطر لكتابة الاستقالة بالإجبار إلا أنه رآها أمام عينه عدة مرات. 

وفي عام 2015، خلص تحليل لنحو 300 دراسة إلى أن الممارسات الضارة في بيئة العمل لا تقل خطورة على الصحة من التدخين السلبي، الذي يُعرف بأنه أحد العوامل المسببة للسرطان، سواء من حيث زيادة احتمالات الوفاة أم الإصابة بالأمراض التي يشخصها الأطباء، حسب تقرير للوكالة الأوروبية للسلامة والصحة في بيئة العمل. 

وحسب التقرير، تتضمن الممارسات الضارة بالصحة في بيئة العمل، ساعات العمل الطويلة والتعارض بين العمل والحياة العائلية، وغياب الأمان الاقتصادي الناتج عن فقدان الموظفين لوظائفهم أو العمل بوظيفة ذات ساعات عمل غير منتظمة، أو لا يمكن التنبؤ بها، والعجز عن السيطرة على سير العمل، وهناك سبب إضافي في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو غياب التأمين الصحي. 

حسام ليس الموظف الوحيد الناجي من ممارسات الشركة لكن هناك آخرين من بينهم سليم (اسم مستعار) الذي عمل بالشركة لمدة 4 سنوات بدأت منذ عام 2016 وحتى النصف الأول من العام الجاري، والذي قرر الاستقالة بسبب الممارسات الغير آدمية التي تعرضت لها طول فترة عمله. 

 ممارسات غير قانونية عديدة تمارسها الشركة  حسب سليم، الذي أكد في حديثه لـ "القاهرة 24"، أن الشركة تقوم على نظام الشللية بين الموظفين، حيث إن هناك عصابة تسيطر على العمل وتفضل بعض الموظفين عن غيرهم وتقدم الخدمات وتسمح لمن يكونون أصدقاء لهم ويوافقهم على جميع الانتهاكات بالتجاوز عن بعض اللوائح الصارمة بما فيها أزمة الدخول للحمام واتخاذ أوقات استراحة بسهولة وغيرها وفي المقابل تضييق الخناق على من لا يكون في صفهم الذي يصبح من المغضوب عليهم وقالولي بالحرف أنت مش هتترقى.

أما عن التجاوزات التي رآها سليم بعينه وتغاضت الإدارة عنها: شفت واحد بعيني بيشرب مخدرات على الفلور وراح تحقيق للـHR وبعد كدا ولا اترفد ولا حصله حاجة.

سوء المعاملة والضغط النفسي والعصبي على الموظفين ونظام الشللية والعصبة المستفيدة هي الأمور التي اتفق عليها كل من حسام وسليم وطه - اسم مستعار- الذي تحدث هو الآخر للقاهرة 24 عن الأزمات اللاإنسانية التي واجهها خلال عمله في في  شركة الكول سنتر طوال سنة ونصف من 2020 وحتى نصف العام الجاري قبل أن يقرر الاستقالة.

وترغب الإدارة في الشركة ألا يفكر أي موظف في أي شيء مبتكر وألا يعترض على أي شيء حسب طه، الذي أصبح من المغضوب عليهم هو الآخر عندما أبدى اعتراض بسيطا على طريقة سير العمل التي يمكن استبدالها بطريقة أبسط.

لم تتوقف ممارسات الشركة غير الآدمية حول رفض دخول الحمام فقط على الرغم من أن طه يروي أنه رأى أمام عينيه موظف تم الخصم له وتعنيفه بسبب دخوله الحمام في أوقات العمل، ولكنه عانى من مشكلات في أذنه ولم يوافق المديرون على إعطائه قسطا من الراحة 5 دقائق، وعندما اضطر للخضوع لعملية صحية أبلغ المدير قبلها بـ24 ساعة فقط كي يضعهم أمام الأمر الواقع، مشيرًا إلى أنه لم يبلغ قبلها بوقت طويل لأنهم كانوا سيرفضون إعطاءه إجازة للخضوع إلى عملية.

يواجه الموظفون الفصل التعسفي وفقًا لحسام ولكن كشف طه أنه يمكن أيضًا أن تبلغ الإدارة الموظف أنه يجب أن يبقى في منزله دون عمل أو الفصل على الرغم من أن أدائه المهني ممتاز وفقًا للمعايير الموضوعة والأوراق الرسمية ولكن لمجرد أنه أصبح مغضوب عليهم للأسباب السالف ذكرها.

قانون العمل

وتنص المادة 70 من قانون العمل الموحد على أنه إذا نشأ نزاع جاز لكل من العامل وصاحب العمل أن يطلب من الجهة الإدارية المختصة خلال سبعة أيام من تاريخ النزاع تسويته وديًا، فإذا لم تتم التسوية في موعد أقصاه عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب جاز لكل منهما اللجوء إلى اللجنة القضائية في موعد أقصاه خمسة وأربعين يوما من تاريخ النزاع وألا سقط حقه في عرض الأمر على اللجنة.

 كما نصت المادة 71 من قانون العمل "على أنه تختص كل لجنة دون غيرها بالفصل في المنازعات الفردية الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون، وتفصل اللجنة في النزاع المعروض عليها خلال ستين يومًا من تاريخ عرضه، وعلى اللجنة أن تفصل في طلب العامل خلال خمسة عشر يوما من تاريخ أول جلسة ويكون قرارها نهائيا، فإذا رفضت الطلب ألزمت صاحب العمل بإعادة العامل إلى عمله، وان يؤدي إليه ما لم يصرف له من مستحقات.

لقى حسام هجوم عنيف من العديد من العاملين بالشركة ومديريها عقب كتابته لبوست عبر فيسبوك يلوم فيه الإدارة على إقدام نور الدين على الانتحار بسبب الضغوطات التي تعرض لها " طعنوني في شرفي ورجولتي عشان اتكلمت.. واحد مات وخلاص هيتحاسب عند ربنا ليه رافضين تعترفوا بالحقيقة وتغيروا الوضع الغلطل وربنا هيحاسبه على الانتحار وتفريطه في جسمه فهيحاسب ألف مرة اللي وصلوه للحالة دي.

شهادة مدير داخل الشركة

على الصعيد الآخر تواصل القاهرة24 مع أحد مديري الشركة والذي يعمل داخل القسم الفرنسي ويدعى ماريو سامي، ليروي جانبه من الرواية، ودحض ماريو سامي جميع الاتهامات الموجهة للشركة والحملات المنددة بسياساتها عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة.

 ويرى ماريو أن ضغوطات العمل لا يمكن أن تكون السبب الرئيس لانتحاره، حيث إن جميع البشر يعانون من ضغوطات العمل في مختلف الأشغال ولكن هذا يعني أن من يتعرض لأي شكل من أشكال الضغط يلجأ للانتحار.

وهو ما يتوافق مع رأي الدكتور محمد حمودة استشاري ومدرس الطب النفسي، الذي يرى أنه كان أولى بالموظف أن يترك العمل أو يغيره أو يلجأ لاقتراض الأموال وليس الانتحار، الذي لم يرغب في التحيز مع وجهة نظر جهة العمل ولكن للتأكيد على أن الانتحار ليس حلًا للهروب من ضغوط العمل.

 

هناك قوانين ولوائح تضمن لجميع العاملين داخل الشركة الحصول على حقوقهم الأساسية من بينها توفير وقت راحة ودخول الحمام بصورة طبيعية، فوفقًا لماريو، من يعاني من مشاكل صحية تجعله في حاجة للدخول إلى الحمام بشكل متكرر يتقدم بأوراق طبية ومن ثم يمكنه قضاء حاجاته في أي وقت إذا لم تتقدم بشكوى تفيد بوجود مشاكل صحية تتطلب منك دخول الحمام بصورة متكررة كيف لي أن أعرف حاجتك؟

 

أما عن مسألة الفصل التعسفي، فيؤكد المدير بشركة الكول سنتر أن رفد موظف لا يحدث بين يوم وليلة بل هناك لوائح وقوانين بالشركة تكفل للجميع حقوقهم، حيث إن إجراءات فصل الموظف تتطلب سلسلة طويلة من الإجراءات والتحقيقات إلى أن يتم بالفعل فصل موظف، أنا أعمل منذ سنوات طويلة في الشركة ولم أر هذه الواقعة إلا مرة واحدة وتم فصل الموظف بسبب دخوله مكان العمل بحوزته كأس خمر، عدا ذلك لم أره والجميع يأخذون البونص في وموعده.

الطب النفسي

يجب التفرقة بين أنواع الضغوطات التي يؤثر على الصحة النفسية للأفراد، فوفقًا للدكتور محمد حمودة استشاري ومدرس الطب النفسي، أن هناك ضغوط العمل والإرهاق وزحام المواصلات وغيرها، وهي ضغوطات طبيعية أما وفاة أحد الأقارب فيعد ضغط نفسي أصعب بكثير.

ويرى الدكتور حمودة أن نور الدين كان يعاني من مرض يدعى اضطراب التأقلم يجعل المصاب به يلجأ إلى حلين إما التعايش مع الضغوطات أو الهروب منها وعليه، لجأ إلى خطوة الانتحار بسبب عدم القدرة على احتمال الضغط ويمكن ذلك لكون شخصيته هشة بعض الشيء.

الدخول إلى الحمام بمواعيد يؤثر بالسلب على الصحة العضوية والجسدية للشخص قبل الصحة النفسية، فوفقًا للدكتور حمودة أن الحرمان من الدخول للحمام لوقت طويل تجعل الشخص يصاب الإمساك ثم البواسير وهو ما يؤثر بالسلب على صحته الجسدية والنفسية بل ويقلل من القدرة الإنتاجية للموظف.

يرى الدكتور حمودة ضرورة انتهاج الشركات نهج جديد فيما يخص قسم الموارد البشرية، حيث يجب أن تحتوي على خريجي كليات الآداب قسم علم النفس في قسم الموارد البشرية كي يكون هناك متخصص في مراقبة السلوك النفسي للموظفين والحفاظ على صحتهم النفسية والجسدية لضمان توفير مناخ جيد للموظفين يضمن لصاحب العمل إنتاجية جيدة، مشيرًا إلى أن جريجي كليات التجارة الذي غالبًا ما يتم توظيفهم في هذه المناصب لم يتلقوا الأسس النفسية الواجب توافرها في مناخ العمل.

تابع مواقعنا