السبت 01 يونيو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

"العدالة الاجتماعية".. عيشة أهلك..!!

السبت 15/يناير/2022 - 11:14 م

عزيزي المواطن الكحيان أنت تعيش حياة مترفة، نعم، فمقارنة بسيطة بين ما تملكه أنت الآن وما كان موجودًا بالماضي فلا شك أنك من الأثرياء، فمثلًا الفاروق عمر بن الخطاب كان ينام تحت الشجرة مرتديًا ثوبًا مُرقعًا، وهو حاكم لربع الدنيا، وحتى الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت التي عندما ثار شعبها من أجل الخبز فقالت جملتها الشهيرة.."إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء، فدعهم يأكلون الكعك".. هذه الملكة المترفة المغيبة الغبية أيضًا لم تكن بمقدار الثراء والغنى الذي تعيشه أنت الآن، فأنت تشرب من الحنفية ماء نقيًا مفلترًا، أما هي فكانت تشرب من يد السقا ماء بعَبله، وأنت الآن تأكل الكعك والبسكويت، وتركب سيارة تتحرك بالوقود يقودها سائق يتجه بك إلي حيث تريد، أما هي فكانت تركب الحنطور...
 

الثراء وعيشة أهلك..!!

 

ألا يعد كل ما ذكرته لك من مظاهر الثراء الفاحش وعلامات الدعة والترف، فأنت تملك ما لا يعرفه أو يسمع عنه آباؤك وأجدادك وكل ما ينقصك هو أن "تعيش عيشة أهلك"..!! كما يقول المثل الشعبي الموغل في العمق معنى ومضمونا، وحقيقة نحن كلنا بحاجة لأن نعيش عيشة أهالينا، هذه العيشة النقية البريئة المليء بالقيم والأخلاق والمبادئ.

 

وهذه هي حقيقة دعوتي، فأنا لا أقدم دعوة للعودة للوراء والركون لحياة الفقر ووأد الطموح وهجر حياة التكنولوجيا والأخذ بأسباب التقدم والتطور، بل إنني أطالب بمزيد من السند والدعم لجموع الكحيانين والشقيانين من الدولة والحكومة، نعم مزيد من مزايا اجتماعية واقتصادية وفكرية، وخصوصًا في مجالات التعليم وفتح آفاق العمل والرزق وإعادة تأهيل أبناء الطبقات الوسطى والبسيطة للدخول إلى سوق العمل، ومن ذات المنطلق أطالب جموع الكحياينين الشقيانين آمثالي، بأن يبذلوا مزيدًا من الجهد وأن يعملوا ويعرقوا بجد من أجل حياة أفضل، وأن يُحاسبوا أنفسهم أولًا قبل أن يحاسبوا الحكومة، خصوصًا بعدما سادت أخلاقيات الاتكال والسلبية والركون لحياة البطالة والصعلقة...

 

السلم المجتمعي

 

هذا بالإضافة لما يحدث الآن من سيادة حالة من التشاحن والتباغض والكره بين أبناء المجتمع الواحد بل والحي والشارع والحارةُ والزنقة والمهنة الواحدة، فأصبحنا نحسد بعضنا البعض ونكره بعضنا البعض دون سبب أو علة واضحة، هي كراهية وحسد مجاني لا هدف ولا مبرر لها سوى أن الضغينة سكنت قلوبنا، بالرغم من أننا مطالبون اليوم وكل يوم بأن نحافظ على سلامنا الاجتماعي بعد أن انتشرت أمراض اجتماعية خطرة في وقت يجب أن نكون فيه جميعًا قلبًا واحدًا لجسد كبير يواجه تحديات من كل ناحية وصوب ومن فوقه وتحته، وإن كنت لا أسامح وألوم على كل حكومة تركت الأحوال بالبلاد والعباد تتحرك من سيئ لأسوء، وخصوصًا فيما يتعلق بتدهور التعليم والخدمات الصحية ومحدودية الدخول، وانتشار العشوائيات، هذا بالإضافة لملف الدعم المُلغم العَصي علي الحل، ناهيك بالطبع عن أن أغلب حكوماتنا سمحت لبعض لصوص يحملون مجازًا صفة رجل أعمال بالإثراء وتكوين ثروات هائلة من بصلة الفقير الغلبان وعلي حساب لقمة عيشه ورزقه وقوت أولاده.

 

أخلاق الشهامة والجدعنة

 

إلا أنني قبل كل هذا كله ألوم الآن على الناس تغير قلوبهم وسلوكهم، بالرغم من أن منظومة القيم الاجتماعية المصرية وتراثنا القيمي القديم يزخر بمعاني الشهامة والمروءة والفخر وتقديس العمل والكفاح، ومن الأمثلة الشعبية الكثير والكثير كـ "من جد وجد، من زرع حصد، العمل عبادة، حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب"، كلها أمثلة تحُث على العمل الجاد والتعب والتوكل لا التواكل وانتظار الفرج على أيدي الآخرين، كل هذه القيم الدافعة للأمام والتي يمكن أن نصفها بقيم التقدم والرخاء غابت وغُلبت بقيم أخرى، كقيم الاستروكس والفودو...

 

قيم الإستروكس 

 

وأنا أدعوك عزيزي المواطن الشقيان لأن تنظر من شرفة بيتك أو حجرتك وتصف لي ما يجري ويدور في شارعك أو حارتك، فالشارع والحارة المصرية بعدما كانا منبع القيم والأخلاق، وكانت الكلمة البسيطة - ابن بلد - هي مختصر وكود لمعاني وقيم كبيرة يوصف بها المصري ابن الحارة والشارع البسيط، هذه الكلمة البسيطة التي تحمل كل معاني الشهامة والجدعنة والمروءة والنبل، غابت بمعانيها الحميدة عن الكثيرين من أبناء أحيائنا الشعبية، بل أصبح شبابها الصغار مصدر قلق واضطراب للأسر العائشة بأحيائنا الشعبية، خصوصًا بعدما أدمنوا وتاجروا بالأنواع المستحدثة والمخلقة من المخدرات كالاستروكس والفودو والشابو، وهو ما يسبب خطرًا وقلقًا كبيرًا خصوصًا للأسر التي تعيش من أجل أولادها وتنفق عليهم ببزخ خصوصًا فيما يتعلق بالتعليم، وحقيقة الانتشار السريع لهذه النوعية من المخدرات بحاجه لوقفة مجتمعية نتشارك فيها جميعًا...

ومن هنا أعود وأؤكد؛ فأنا لا أخاف على الرغيف قدر خوفي على الأخلاق، فالرغيف يعود ويعوض، أما الأخلاق فإن ذهبت لن تعود ولن تعوض، وحقا قال الشاعر: "وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا ".. خصوصًا وأن الدستور المصري حمى البسطاء والكادحين والفقراء بمادة صريحة بمتن نصوصه وهي المادة ثمانية والتي نصت صراحة بأن يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون..". 

.. إذا لا شك أن هذه المادة وراءها حراس ومؤسسات تحميها من أجل أمان وسلام هذا البلد الاجتماعي، وأيضا من أجل مستقبل أجيال صغيرة بالملايين ليس لهم ذنب أو يد بأن ولدوا بسطاء فقراء، كما أن الدولة اليوم تتبنى العديد من المبادرات والبرامج الحياتية للارتقاء بحياة البسطاء وانتشالهم من حياة الفقر والعوز.

ومن هنا أعود وأكرر ثانية، بأنه يجب علينا نحن جموع الشقيانين المجتهدين أن نُعيد منظومة القيم الاجتماعية الدافعة للعمل وبذل العرق والكد في العمل من أجل أنفسنا ومجتمعنا ووطنا، وأن نقف جنبًا إلى جنب مع أجهزة الدولة لمحاربة كل سلبية وآفة اجتماعية تضرب المجتمع والوطن في مقتل وفي الصميم.

تابع مواقعنا