الجمعة 10 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الطبقة المتوسطة بين البقاء والتلاشي

السبت 07/يناير/2023 - 11:03 ص

الطبقة الوسطى هي التي تقع بين الطبقة العليا -الغنية- والطبقة الدنيا -الفقيرة- كما عرّفها ماكس فيبر، وهي صمام أمان المجتمع، ونقطة توازانه، وتشكل الغالبية العظمى من سكان مصر وتنتشر في كل ربوعها، ويتباين دخولهم حسب نوعية وظائفهم ما بين القطاع العام والحكومي والقطاع الخاص والمهن الحرة المختلفة، أو كما يطلقون عليهم أصحاب الياقات البيضاء كما عرّفها رايت ميلز. 

ويعرّفها ماركس وإنجلز بأنها: الطبقة البرجوازية التي تضم مجموعة من صغار رجال الأعمال وأصحاب المحلات والمهنيين.

وبمعنى آخر، من ينتمي إلى الطبقة الوسطى كل من يستطيع تلبية كل متطلباته الأساسية بسبب الدخل المستقر ولا يقع في دائرة الفقر.

 تحملت تلك الطبقة كثيرًا من الأعباء والضغوط، وفقدت القدرة على تحمل الأعباء المتزايدة التي أصابت المجتمع المصري، بعد أن كانت شبه مستقرة في الفترة الناصرية وجدت نفسها تسعى للهبوط التدريجي بداية من عصر الانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس السادات، حيث زادت فيه الفجوة بين الطبقات ووصلت فئة جديدة إلى طبقة الرأسمالية الغنية في انفتاح غير منضبط، ودخول أغنياء جدد يملكون المال ويفقدون العلم والثقافة.

ومرورًا بعصر مبارك وتنفيذ برنامج الخصخصة وإعادة الهيكلة واشتراطات صندوق النقد الدولي للحصول على قروض لسد الفجوة والعجز، واتفاقيات فُرضت علينا مثل الجات وغيرها من الأمور التي أدت إلى تفجير الأوضاع  في 25 يناير 2011، ونداء ثورتها عيش حرية كرامة إنسانية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية.

وزادت الأوضاع سوءًا بعد ثورة يناير، لتجدد الاضطرابات المستمرة -المظاهرات- والاعتصامات، وتوقفت عجلة الإنتاج تمامًا لعدم الاستقرار السياسي وحالة الفوضى العارمة وغياب الأمن الداخلي، ما أدى إلى سقوط كثير من الأسر المصرية التي أصبحت غير قادرة على التكيف مع تلك الظروف الصعبة، وفقدانهم مصادر دخولهم أدى إلى السقوط تحت مظلة الفقر والعوز، وزادت معها نقمتهم على السياسة والحكومة التي فشلت في سد احتياجاتهم.

واستمرار الوضع وتفاقم معاناتهم تحت دعوى التحمل من أجل تنفيذ برامج الإصلاح، ومرة بدعوى أزمات طارئة مثل الحرب الروسية الأوكرانية ووقف سلاسل الإمداد والتموين، ومرة بمواجهتها جائحة كورونا وتداعياتها السيئة، وكذلك أخطاء الحكومة في بعض قرارتها السياسية والاقتصادية، وعملية التعويم للجنية المصري وما صاحبها من إجراءات وما نتج عنها من توتر وأزمات، فقد الجنيه قيمته أمام الدولار فانخفض دخل الكثيرين، مع زيادة كافة الأسعار لكافة المنتجات بدون استثتاء.
وتشكّل تلك الأعباء الواقعة عليها، والتي تهدد بقاءها راسخة لحفظ التوازن الاجتماعي في الوطن، أزمات سياسية، واقتصادية، واجتماعية خطيرة، فقلة الدخل وعدم قدرة الطبقة المتوسطة على تلبية متطلباتها لسوء الأوضاع، تنعكس آثاره السلبية على المجتمع، وتدخل في أزمات مع الحكومة، ما أدى إلى فقدان الثقة فيما بينهما، عوضًا على أنها المنوط بها بناء استراتيجية الدولة للتنمية المستدامة وخططها في التنمية، أصبحت هي من تدفع فاتورة ذلك الإصلاح الاقتصادي، ولم تحظَ بأي دعم من مبادرات الحكومة لأنها لا تقع في قاعدة الهرم، وفقدت الثقة في كل شيء تعلنه الحكومة فهي من تحملت وتعاني ولم تحصل إلا على تصريحات وردية، مع أنها التي انتفضت وخرجت في ثورة 25 يناير و30 يونيو تطالب بالتغيير والإصلاح، وتدافع عن هويتها المصرية الأصيلة الراسخة عندما خطفت جماعة الإخوان الدولة المصرية.
لذا، يجب البحث عن أسباب هموم تلك الطبقة وما يهدد بقاءها، وبما أنني مواطن من أبناء تلك الطبقة وكرجل سياسي حزبي، يرى أنه صوت الطبقة المتوسطة وداعم لها ويعبر عن جموعها، فعلينا أن نبحث عن علاج لكل معوقات بقاء تلك الكتلة الغالبة في المجتمع.
كما ذكرنا أن اعتماد تلك الطبقة على الدخل الثابت من وظائفهم، وسعيهم الدؤوب لزيادته بفرص عمل مجزية ومناسبة لسد احتياجاتهم، أصبح لزامًا عليهم التكيف مع واقعهم المتغير، والعمل على التوازن بين دخولهم ومصروفاتهم، فيجب على كل مواطن أن يحدد بدقة أولوياته، ليستطيع بناءً على دخله مواجهة موجة غلاء الأسعار في الكهرباء والمياه والمواد الغذائية والدواء والدروس الخصوصية والمأكل والملبس وباقي متطلبات الحياة، ويتنازل عن كل رفاهية كان يقوم بها قبل ذلك فهو في الأساس وزير مالية أسرته الذي يكافح الظروف للبقاء.

ويحمّل المواطن الحكومة دائمًا تبعات أخطائها، وما يحدث له من انزلاقات قوية في سد متطلباته، وأن مقابل ما تحصل عليه من ضرائب فإن عليها التزمات يجب الوفاء بها، مثل: التدخل لضبط السوق، ومراقبة الأسعار، وتوفير رعاية صحية واجتماعية جيدة، وتقليل نسب التضخم، ونسب البطالة، وتوفير فرص عمل، وغيرها من الالتزامات المنوط بها التدخل فيها للحفاظ على هيكل الكيان الاجتماعي الضابط للدولة المصرية، ولن يستطيع تحمل إخفاقاتها المتتالية وسياساتها الخاطئة، وغياب الأولويات في طرق ادراتها لموارد الوطن، فتنشأ حالة من  عدم الاستقرار والرضا بين الحكومة والمواطنين.

وسنذكر سريعًا بعض النقاط المؤثرة في تدهور أوضاع الطبقة المتوسطة:

عدم الاستقرار السياسي نتيجة ثورة يناير وما تلاها من احتجاجات، كان له آثار سلبية على الاقتصاد وأدى إلى توقف عجلة الإنتاج، وزيادة نسب البطالة، ويؤثر بطبيعة الحال على الناتج القومي ودخل الفرد.

قلة برامج الحماية المجتمعية التي تقدمها الدولة نتيجة الظروف الصعبة التي تموج بالبلاد، قد يقول البعض إن الدولة أطلقت رؤيتها للتنمية المستدامة 2030 ومن هذا المنطلق أطلقت عدة مبادرات للتخفيف عن المواطنيين من مبادرة حياة كريمة لأهالينا في الريف إلى مبادرة 100 مليون صحة، ومواجهة أمراض متوطنة مثل فيروس سي، والسعي لتطبيق التأمين الصحي الشامل على مراحل في ربوع مصر، ومبادرة سكن كريم وتكافل وكرامة وغيرها لمحاولة تعزيز مبدأ الحياة الكريمة والإنسانية لمواطنيها، ولكن تبقى بعضها مبادرات وقتية ولا تصيب جموع المصريين، وعلى الدولة اتخاذ خطوات جادة لتعزيز الحماية المجتمعية، والعمل على زيادة نهضتها الاقتصادية لزيادة الإنتاج وتوفير فرص عمل حقيقية.

ارتفاع تكلفة المعيشة، وما نعيشه هذه الأيام خير دليل على تفشي غلاء الأسعار بشكل عام من مسكن وملبس وتعليم وصحة وسلع أساسية أصبحت أسعارها خارج السيطرة حتى مع تدخل الحكومة لضبط السوق ولكن تبقى خارج سيطرتهم حتى أصبحت كل الطبقات تعاني بدون استثناء من موجة الغلاء المتوحشة.

فكرة تكوين أسرة جديدة في وقت وصل طن الحديد إلى 30 ألف جنيه، وأسعار العقارات وصلت إلى أرقام فلكية، فعندما تسمع أسعار الوحدات السكنية تفوق ما تستطيع وظيفة ما أن تتيح لك فرصة الحصول على شقة سكنية، ذلك برغم تدخل الدولة في تقديم سكن كريم وجنة مصر والإسكان الاجتماعب، تبقى فرصة الحصول على وظيفة تؤمن لك السداد حلم لا يحظى به الجميع، فلا تكون هناك عدالة فب الفرص، فكرة تكوين أسرة والزواج فب وقت نطالب فيه كل رب عائلة بالتفكير خارج الصندوق والتنازل عن بعض العادات الاجتماعية المكلفة من مهر وشبكة وتأسيس منزل بعدد غرف معينة وأجهزة كهربائية؛ فالمغالاة في المهور والطلبات وكثرة النفقات أصبحت تقف عائقًا على تكوين أسرة.

غير أن هناك ضغوطًا أخرى تأتي بعد الزواج في عدم القدرة عند بعض الأسر على مواجهة متطلبات الحياة من مسكن ودواء ومأكل وملبس وغيرها من مستلزمات الحياة الأولية.

فقدان الوظيفة وصعوبة الحصول على وظيفة بديلة، فتنتهي الأسرة بالتفكك وتكثر حالات الطلاق والعنف الأسري وحوادث الانتحار وغيرها من الكوارث نتيجة تلك الضغوط.
الزيادة السكانية هي من أهم عوائق التنمية لعدم تحمل قدرة الدولة على تلبية متطلبات تلك الزيادة السكانية، مع العلم أن القوة البشرية هي رأس مال الدولة لو استطاعت إدارة مواردها بشكل سليم.
الحوادث الإرهابية التي واجهتها مصر، وقد رفعت الدولة شعار لا للإرهاب فقد أثر على جذب فرص استثمارية جديدة، والتوسع في الأنشطة القائمة، والسياحة أحد روافد النقد الأجنبي توقفت، وفقدت أعداد هائلة وظائفها وقت أزمة كورونا أيضًا، وتوقفت بعض الأنشطة الاقتصادية وانسحاب بعض المستثمرين من أعمالهم داخل البلاد وتعثر البعض الآخر، نتيجة التوتر والقلق، ففي نظر أي مستثمر أن البلد غير آمن وغير مستقر. 

الأزمات الطارئة التي ضربت العالم، وتأثرنا بها مثل أزمة فيروس كورونا وتوقف الحياة تمامًا، فقد صمتت عجلة الإنتاج والتزم الجميع بالعزل، كما كانت الحرب الروسية الأوكرانية له تأثيرها السلبي على اقتصاديات العالم كله ومنها مصر طبعًا التس تأثرت كثيرًا، ونحن نعتمد اعتمادًا شبه كلي على السياحة الروسية والأوكرانية، كما أن السلعة الاستراتيجية الأولى، وهي القمح، تأثرت بفعل الحرب وتوقف سلاسل الإمداد والتموين من العوامل المؤثرة.
ما زالت مشكلة سد النهضة قائمة، وأمن مصر المائي في خطر، والخوف من تأثر حصة مصر، فمع الحصة المقررة هناك فقر مائي في مصر، وأي تأثر على نصيب مصر سيدخلنا في صراع حقيقي مع إثيوبيا حمايةً لحقوق شعب لديه في الأساس فقر مائي وأمن قومي.
دخول عام الذكاء الاصطناعي والتطورات التكنولوجية، وقدمت كثير من الدراسات أنه في المستقبل سوف يتم الاستغناء عن وظائف كثيرة ويحل محلها الروبوت والتكنولوجيا الحديثة؛ ما يهدد ببطالة كبيرة مستقبلًا ويجب البحث عن حلول للدخول إلى ذلك العالم الرقمي.

سوء التخطيط في المجال الاقتصادي والاستثماري يقف عائقًا دائمًا أمام خطط التنمية، ويؤثر في معدلات النمو، ولقد عانينا في الفترة الأخيرة من بعض القرارات والسياسات غير المدروسة، والتي أثرت على الاقتصاد، وتعثر استيراد مستلزمات الإنتاج، وتعثر بعض المستثمرين، وغيرها من الأزمات التي يجب على الدولة التدخل لتوفير المناخ المناسب للاستثمار، ودعم المستثمرين المتعثرين، وتقديم حوافز لهم، والعمل من أجل زيادة الإنتاج وجذب استثمارات للإقامة مشاريع جديدة تستوعب الأيدي العاملة العاطلة، كما نتمنى النجاح لمبادرة ابدأ، وأخيرًا القرار بالعمل بمستندات التحصيل ووقف القرارات التي صعّبت عملية الاستيراد مع ضرورة توفير العملة الأجنبية لدخول البضائع المكدسة بالموانئ.

إعلان الدولة عن تخارجها من بعض الأنشطة وتركها للقطاع الخاص، وإصدارها وثيقة ملكية الدولة، والقيام بعمل مؤتمر عالمي للاستثمار في 2023 لعرض الفرص المتاحة مع تهيئة مناخ جاذب وتشريع يضمن التوسع في خريطة الأعمال مؤشر طيب لما ينتج عنه من فرص عمل جديدة وزيادة الدخل وتحقيق الرفاهية، مع العلم بأننا نحتاج لعودة

وزارة الاستثمار بشكل أساسي ومهم لدورها الحيوي في ثراء تلك المهمة.

التضخم الذي يهدد الاستقرار الاقتصادي ويلتهم المدخرات، وأصبحنا نعاني منه هذه الأيام بشكل كبير، وتراجع القوة الشرائية لنقوده المدخرة، وتدني العملة المحلية أمام الدولار بشكل يدعو إلى التشائم والقهر؛ لذا فعلى الدولة إعادة التوازن المالي للاقتصاد المصري ومحاصرة التضخم.

المواطن يعيش في دوامة بين طلبات الحكومة التي تفرضها للحصول على أموال مواطنيها من تراخيص المحال التجارية إلى تراخيص المباني الخاصة السكنية إلى ضغط المحليات المستمر على المواطنين بدعاوى عديدة ونحن هنا لا نتجنى عليهم فالفساد في هذا القطاع يتعايش معه غالبية المواطنين وما بين مصاريف تراخيص السيارت وتجديد البطاقة الشخصية وجوزات السفر وتجاوز الحد المسموح في المبالغ المطلوبة لاستخراج تلك الأوراق الرسمية يمثّل عبأً إضافيًّا يجب الحد منه.

في الختام، على الدولة أن تهتم بتلك الطبقة وتراعي أولوياتها ومتطلباتها لأنها أصل المجتمع والقائم عليه، فلا قدّر الله لو حدث انفجار لتلك الطبقة سيتفاقم الوضع العام في الوطن إلى الأسوء.

تابع مواقعنا