الجمعة 17 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

من مظاهر التيسير في فريضة الصيام

الأربعاء 05/أبريل/2023 - 01:38 م

تحدثنا في المقال السابق عن بعض مظاهر التيسير في العبادات التي فرضها الله تعالى على عباده، كالصلاة والزكاة والحج، مما يدلنا على أن الدين الإسلامي يسر وسماحة، وأن الله لم يفرض علينا ما افترضه تعنتًا وحرجا، فقد قال تعالى (ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من خرج) واليوم نتحدث عن مظاهر التخفيف والتيسير في فريضة الصيام، وهو الركن البدني من أركان الإسلام لأنه يتعلق بحبس النفس عن شهواتها من طعام وشراب، وغير ذلك من المفطرات، وهذا أمر ينطوي على مشقة وتعب، ولكن الله جمل في طيات هذه المشقة العديد من مظاهر التيسير التي تهون على الصائم أداء هذه العبادة، وسوف نستخلص هذه المظاهر من خلال النظر في الآيات القرآنية التي تحدثت عن الصيام وبعض أحكامه في سورة البقرة وهى الآيات من ( ١٨٣-۱۸۷)، ومن هذه المظاهر:
1-  قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) هذا نداء من الله تعالى لعباده المؤمنين، يستحث في قلوبهم عاطفة الإيمان، وإن الإيمان عندما يعمر قلب الإنسان يسهل عليه أداء ما افترضه الله عليه وأمره به مهما كان فيه مشقة، ثم يقول: (كتب عليكم الصيام) كتب بمعنى فرض، وقد بني الفعل هنا لما لم يسم فاعله، ولم يذكر في الكلام. لأن الفاعل معلوم لا يحتاج إلى بيان وهو الله تعالى خالقنا ورازقنا الذي لا نملك ردًا ولا اعتراضًا على أمرٍ أمرَ به، فإن من علامات إيماننا به أن نكون على يقين لا ارتياب فيه أنه لا يأمرنا إلا بما فيه خبر لنا في العاجل والآجل.

2- قوله تعالى: (كما كتب على الذين من قبلكم) أي أن الله فرض علیکم الصيام كما فرضه على الأمم السابقة عليكم، فلستم بدعا من الأمم، وهذا مظهر من مظاهر التيسير والتخفيف، ولذلك يقول الإمام القفال: (إن الأمور الشاقة إذا عمت خفت)، ولكن ما وجه المشابهة في فرض الصيام علينا، وعلى الأمم السابقة؟
الجواب للعلماء في ذلك رأيان:
الأول: أن التشبيه في أصل الوجوب لا في الكيفية ولا في القدر الواجب، أي أن كل أمة فرض عليها الصوم بطريقة مختلفة، والتشبيه لا يقتضي التماثل أو التساوي في كل شيء.
الثاني: أن التشبيه قائم من جميع الوجوه متضمن لأصل الفريضة وقدرها ووقتها، ولكنهم زادوا فيه وغيروا حسب أهوائهم.

3- قوله تعالى (لعلكم تتقون) أي لتحققوا بصيامكم هذه الثمرة العظيمة وهي (مقام التقوى)، وما أعظمها من ثمرة، وما أرفعه من مقام، وهذا مما يحفز الإنسان لفعل العبادة، ويهونها وييسرها عليه لعظم الثمرة المرجوة.

4-  قوله تعالى (أياما معدودات)، بيان لزمن أداء الصيام، فقد جعله الله أيامًا معدودات لا تستغرق وقتا طويلا، بل تمثل شهرا واحدا في العام وهو رمضان، وهذا مظهر من مظاهر التيسير.

5-  قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، أي من أدرك رمضان وكان أهلا لصيامه، وليس له أعذار تمنعه من ذلك، فعليه أن يصوم هذا الشهر، وهذا معناه الترخيص لأصحاب أعذار معينة في الفطر مادام العذر قائما بهم، ثم بعد ذلك قضاء الأيام التي أفطروها بعد انقضاء رمضان أو إخراج الفدية عنها على حسب حالهم.  

6-  قوله تعالى (ومن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر)، بيان لبعض الأعذار التي يرخص لأصحابها في الفطر في رمضان مادام العذر موجودًا، وعليهم بعد ذلك قضاء ما أفطروه، ومنها: (المرض - السفر) لما يلحق المريض والمسافر من المشقة والتعب أو الضرر، على تفضيلات وبشروط معينة. ذكر بها كتب الفقه، وهذا لون من ألوان التيسير ومظاهره.


7- قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) يقصد بهم الذين يؤدون الصيام، ولكنه يشق عليهم مشقة كبيرة مثل الشيخ الهرم، والمرأة العجوز ونحوهما، فهؤلاء يسر الله عليهم فرخص لهم في الفطر، وعليهم إخراج الفدية عما أفطروه وهي إطعام مسكين عن كل يوم، مع جواز أن يعطى قيمة الإطعام نقدا.

تنبيه: من أفطر في رمضان أياما لعذر كمرض أو سفر، أو لمانع شرع کالحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، فإن عليه قضاء عدة ما أفطر بعد انقضاء رمضان. وهذا من يسر الإسلام وسماحته.

ولكن هناك أمر اختلف فيه العلماء وهو: هل يشترط قضاء هذه الأيام مباشرة بعد رمضان؟ وهل يشترط أن تكون مجتمعة أم يجوز تفريقها؟

للعلماء في ذلك رأيان:
  الأول: يجب صوم هذه الأيام متتابعة بعد رمضان مباشرة دون تفريق بينها، حتى تكون صفة صوم القضاء على نفس صفة صوم الأداء.
  الثاني: التتابع في صوم القضاء ليس شرطا، فيجوز تفريقها وتأخيرها، فعندما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك قال لمن سأله: ذلك إليك - أي أنت مخير فيه - أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين - أي قضى الدين مفرقًا - فالله أحق أن يعفو ويغفر)، وهو قول الجمهور وهذا من مظاهر التيسير.
ونستكمل الحديث عن مظاهر التيسير والتخفيف  
8- قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)، وقد رخصت هذه الآية لبعض الأصناف في الفطر لأعذار معينة كالحامل والمرضع والمريض مرضًا مزمنا والشيخ الكبير، وعليهم إخراج الفدية عن الأيام التي أفطروها وهي إطعام مسكين عن كل يوم على تفصيلات في كتب الفقه.

9-  قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام الرفت إلى نسائكم) يتجلى التيسير الإلهي في التدريج في تشريح الصيام وفرضه فإن إخراج النفس عن إلف العادة في الطعام والشراب ومنعها من مشتهياتها وملذاتها أمر صعب والله تعالى عليم بحالي عباده ألا يعلو من خلق، فجاء فرض الصيام متدرجا مراعاة لحال الناس في إخراجهم عما ألفوه، يقول الشيخ (محمود خطاب السبكي) في الدين الخالص ذاكرا الأحوال التي تدرج فيها الصيام:
أ- على وجه التخيير، فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر - ولو قادرًا صحيحا مقيما - وأطعم عن كل يوم مسكينا.
ب- تحتم الصيام على القادر الصحيح المقيم، وكان إذا غربت الشمس يتناولون المفطر مالم يناموا، ومن نام، قبل أن يطعم أو يشرب حرم عليه الطعام إلى الليلة القابلة.
جـ - التخفيف عن الصائم بإباحة المفطرات طوال الليل قبل النوم وبعده، قال تعالى (أحل لكم ليلة الصيام الرفت إلى نسائكم) - الآية ١٨٧ / البقرة
- فهذه بعض صور التيسير من الله - سبحانه وتعالى - على عباده الصائمين تحقيقا لمبادئ القرءان الكريم ومبادئ الشرع الحكيم، وهدى النبي صلی اللہ علیہ وسلم.

تابع مواقعنا