الجمعة 17 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تداعيات الحرب السودانية على مصر

الأربعاء 10/مايو/2023 - 02:25 م

ترتبط مصر والسودان بعلاقات تاريخية قوية وراسخة، يجمعهما المصير المشترك، والعلاقة بين البلدين تكاملية وليست تنافسية، ونعتبره حليف لايمكن الاستغناء عنه لأهميته الاستراتيجية لمصر، فحدودهما المشتركة تقدر بـ1276 كم ويشتركان في ممر مائي عالمي البحر الأحمر، فضلا عن الروابط المشتركة سواء كانت تاريخية أو ثقافية.

كان السودان يسير في طريقه السليم بعد توقيع الاتفاق الإطاري بين المكون المدني والعسكري، وقبل محطة الوصول النهائية نشب صراع مسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ومازال الاقتتال مستمرا وسط أزمة إنسانية كبيرة.

ومع إصرار الفريق البرهان وحمديتي على خرق كل محاولات الهدنة والتهدئة متهمين بعضهما البعض، ووسط زيادة أعداد القتلى والجرحى، وانهيار كامل في المنظومة الصحية، وأزمة نزوح جماعي من ويلات الحرب الدائرة، وأزمة انقطاع المياه والكهرباء وشح الغذاء والوقود والدواء كل تلك المعاناة تنذر بأزمة إنسانية كبيرة.

تداعيات الحرب السودانية على مصر 


وقد اجتمع الرئيس السيسي مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فور بداية الأزمة، وأعلن أن ما يحدث في السودان شأن داخلي، ولا ينبغي التدخل فيه حتى لا يحدث تأجيج للموقف، ودعا الفرقاء الجلوس على مائدة المفاوضات، لاستعادة الهدوء ووقف القتال فورا.
 

ومع بداية الأزمة ظهر مقطع فيديو بثته قوات الدعم السريع لاحتجاز جنود مصريين داخل قاعدة عسكرية سودانية، وتوجيه إهانات لفظية لهم، مما جعل المتحدث العسكري المصري يرد ويوضح، وأن الجنود في تدريب مشترك مع الجيش السوداني في قاعدة الفريق أول عوض الله خلف الجوية، حيث كانوا يستعدون لإطلاق تدريبات نسور النيل 4، وقد سبقها تدريبات سابقة مع القوات البحرية.
 

وكان تأثير مقطع الفيديو كبيرا علينا كمصريين، مما جعل مسؤول الإعلام في قوات الدعم السريع يقدم اعتذارا عما جاء من صغار ضباطهم، وأنهم يكنون كل الاحترام لمصر وشعبها وجيشها، وسوف يتم نقل الجنود إلى مصر فور هدوء الوضع.


كما اعتذر حمديتي قائد قوات الدعم السريع في مداخلة تليفونية مع إحدى وسائل الإعلام عن الفيديو وقال إن القوات المصرية فى الحفظ والصون وسيتم إعادتهم في أسرع وقت وهو ما حدث وتم إعادة الجنود.


موقف مصر


وفى خلال كلمة مندوب مصر بمجلس الأمن في الجلسة المنعقدة حول السودان، طالب بضرورة أهمية المحافظة على وحدة وسلامة الأراضي السودانية واستقلاله وسيادته لما يمثله السودان من عمق استيراتيجى لمصر، ولما ترتبط به مصر والسوادن من روابط تاريخية،  
كما حذر من أي تدخل خارجي في السوادان أيا كانت طبيعته أو مصدره، مؤكدا أن النزاع في السودان شأن داخلي، وسعي مصر للتعاون مع عدد من الدول من أجل إجلاء الرعايا المصريين والأجانب مع ضرورة وقف إطلاق النار لحماية الشعب السوداني.


كما شاركت مصر في الاجتماع الوزاري الدولي الذي عقدته مفوضية الاتحاد الإفريقي ووقعت على البيان الصادر عنه، كما تنسق مع عدد من المنظمات الدولية والحكومات لبحث سبل الخروج من تلك الأزمة.


فقد خلفت أزمة الاقتتال في السودان كثيرا من الأوضاع السيئة على السودان، فبرغم ما يعانيه من أوضاع اقتصادية صعبة، يحول هذا الاقتتال الوضع إلى مأساة سواء كانت اقتصادية أو إنسانية وأنه على المجتمع الدولي التدخل لوقف الحرب وفورا. 
 

وزارة الخارجية أصدرت تعليماتها بتسهيل إجراءات دخول  السودانيين، مع تسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة لمن عمره بين 16 إلى 50 سنة، والسماح لعبور الأطفال دون 16 سنة وكذلك السيدات والرجال فوق 50 سنة بشرط وجود جواز سفر.
 

كما أعلنت عن بقاء البعثة الدبلوماسية برغم استشهاد مساعد الملحق الإداري لسفارتنا بالخرطوم، وستعمل على إجلاء المصريين الراغبين في العودة إلى مصر، ورفعت حالة الاستعداد القصوى على المنافذ البرية منفذ قسطل ومنفذ أرقين صحيا ولوجيستيا وأمنيا لاستقبال كل الهاربين من جحيم الحرب حتى من غير المصريين، وسط موجة عارمة من التعاطف الشعبي المصري لأهاليهم وإخوانهم من الشعب السوداني.


وقام المصريون بحملات على مواقع التواصل الاجتماعى تدعو إلى استقبال أهلنا في السودان، وضرورة إلغاء الحصول على تأشيرة دخول لما بين الشعبين.
 

كما أن بين مصر والسودان اتفاقية تنص على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك باسم اتفاقية الحريات الأربع الموقعة بين البلدين 2004، وناهيك عن تلك الاتفاقية فأخلاقيات المصريين وإنسانيتهم تحتم عليهم مساندة وطنهم الثاني ودعمه بكل السبل، كما تصدوا للأصوات التي لا ترغب في استقبال النازحين بدعوى الوضع الاقتصادى الصعب.

 

سد النهضة 

استمرار السودان في أزمته سيؤثر على ملف سد النهضة كونه أحد دولتي المصب، في الوقت التي تستعد فيه إثيوبيا للملء الرابع، الذى يعد الأكبر للسد مما يؤثر على حصص مصر والسودان، وسط تجاهل إثيوبيا كل نداءات العقل أو احترام رغبة دولتي المصب، واتخاذها قرارا أحاديا بالملء، وهذا يجعل من مصر أن يقع عليها عبء كبير وأن تتحرك على كل الأصعدة والمحاور لوقف التعنت الإثيوبي، لذا مصر من أهم الدولة الحريصة على استقرار السودان وأمنها، والملف المائي من أهم الملفات الوجودية للشعبين الشقيقين ويجب أن تتطابق رؤيتهما لهذا الملف الحيوي.
 

ولا شك أن الضرر الاقتصادي على السودان جراء تلك الحرب ونظرا لوضعها قبل الحرب والتي تزيده الحرب تفاقما، ومصر كجارة كبرى للسودان وما بينهما من علاقات ومعاملات في كل الأصعدة ستتأثر كثيرا، نظرا لأن السودان هى بوابة مصر على إفريقيا كلها، لذلك ستكون فاتورة تبعات تلك الحرب على مصر وخيمة وكبيرة، فلم نخرج من تداعيات أزمة كورونا إلا وكانت تبعات الحرب الروسية الأوكرانية تلقي بظلالها، وما زاد الأمر سوءا هو نشوب هذا النزاع السودانى السوداني.

وسنعرض سريعا بعض التأثيرات على مصر:


1- انخفاض تصنيف مصر الائتماني فوكالة فيتش أعلنت أمس الخميس خفض تصنيف مصر وتغيير النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية، وذلك طبقا لتقرير أعلنته وكالة رويترز،
كذلك أعلنت وكالة ستاندر آند بورز تحفيض التصنيف من مستقر إلى سلبي، وكذلك وكالة موديز وذلك لأن أمن مصر مرتبط بأمن السودان، وخفض التصنيف يعني هروب وإحجام المستثمرين ونقص الدولار والذي يزيد الوضع تفاقما.
 

2- تأثر مؤسسات التمويل متعددة الأطراف على قدرتها على تمويل المشروعات والتوقع  بقيام تلك المؤسسات بزيادة تكلفة الاقتراض ورفع الفائدة على القروض مع انعكاس الأزمة على كل دول الجوار للسودان.

 
3- السودان من أهم الدول المستوردة من مصر وبناء على معطيات الحرب الدائرة ستتأثر صادرات مصر للسودان وكذلك الواردات بسبب تأثر المنافذ الحدودية والمعابر.

فمصر تعتمد على استيراد بعض المنتجات السودانية كالقطن والماشية الحية واللحوم المجمدة والسمسم وبعض السلع الأخرى والذي سيؤثر تناقصها إلى أزمة تحاول الحكومة المصرية فيها البحث عن بدائل لسد العجز مثلا في اللحوم وسيستمر الوضع إلى الأسوأ ما لم تتوقف الحرب ويصاحبه تهديد كبير لأمن مصر الغذائي.


4- تأثر المشاريع المشتركة بين البلدين، فلدينا شركات كثيرة مصرية سواء كانت حكومية أو قطاع خاص تستثمر على الأراضي السودانية في مجالات عديدة في الزراعة والصناعة والكهرباء واستصلاح الأراضي والتشيد والبناء والمجالات الخدمية وغيرها والتي يقدر حجم الاستثمار فيها بنحو 2.7 مليار دولار، ومع استمرار الاقتتال ستتوقف تماما مما يكون له انعكاسات سلبية على اقتصاد البلدين، في الوقت التي كانت يتجه البلدان إلى توسيع حجم التبادل التجاري وزيادة حجم المشروعات كمشروع الربط الكهربائي وإنشاء خط سكة حديد لزيادة الحركة سواء كانت أفرادا أو تجارية. 
 

5- تأثر المصانع الصغرى فى مصر على وجه الخصوص لاعتمادها في الأساس على تسويق منتجاتها إلى الأسواق السودانية، مما يزيد من حالة الركود والبطالة والجمود بالاقتصاد المصري.
 

6- نزوح الكثير من المواطنين سواء كانوا من السودان أو من بلدان أخرى هربا من ويلات الحرب عبر الحدود والمنافذ المصرية يشكل على الدولة المصرية عبئا كبيرا في احتوائهم ورعايتهم صحيا وتعليميا ومعيشيا، وكل ذلك يمثل ضغطا على الاقتصاد المصري المرهق في الأساس.
 

كما يصاحب عملية النزوح مخاوف أمنية كبيرة، من تسلل مليشيات ومرتزقة وإرهابيين نظرا لطول الحدود بين البلدين وتفاقم الأوضاع سيكون على مصر اليقظة الكاملة لحماية حدودها من تسلل المارقين مع احتمالية حدوث نزاعات حدودية في الدول المجاورة للسودان.

 
7- السودان هو البوابة الرئيسية للصادرات المصرية إلى دول حوض النيل وشرق إفريقيا وتواصل اشتعال الاقتتال سيؤثر على حجم التبادل التجاري، وينعكس سلبا على الاقتصاد المصري.
 

8 -  على الحكومة أن تتحمل بل ويجب أن تساعد المصريين الفاريين من ويلات الحرب والذين تركوا شركاتهم واستثمارتهم وأعمالهم هربا من جحيم الحرب والعودة إلى مصر أن تجد وسيلة في دعمهم واحتوائهم.           
 

9- تبقى نقطة مهمة وقد تابعت حديث وزير التعليم العالي ووزير التربية والتعليم في مجلس الوزراء عن الطلبة المصريين الدارسين بالسودان وتقنين أوضاعهم ووضع آليات لقبولهم سواء بالمدارس او الجامعات، وكذلك السودانيين يتم تحديد آليات استيعابهم وفق محددات تضعها الدولة والتي ترهق ميزانيتها أيضا.
 

مصر في موقف صعب وهي لا تحاول أن تدعم طرف على طرف آخر وموقفها واضح، بل تحاول الوساطة بين المتنازعين للوصول إلى مائدة المفاوضات ووقف الحرب فورا، وهي تعلم أن أمنها الإقليمي مرتبط بأمن السودان واسقرار السودان يعنى استقرار لمصر.
 

نتمنى من الله أن تضع الحرب أوزارها ويعود السودان قوي ناهض.  

 

تابع مواقعنا