الخميس 02 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الجامعات ودي جي ساسو

الأربعاء 06/سبتمبر/2023 - 08:25 م

الجامعات هي محرايب العلم المقدسة، والأبواب التي يخرج منها الشباب إلى حياتهم العملية ليحملوا الراية ممن سبقوهم في شتى المجالات، وإذا تم إعدادهم بشكل جيد فمن المؤكد أن ذلك يضمن أوطانا قوية ومستقرة. 

عشنا سنوات عمرنا ومن سبقونا أيضا نرى أن الأستاذ الجامعي هو رمز للوقار والقيمة العليا ومازلنا وسنظل بكل تأكيد لأن ذلك لا يمكن تغييره. 

وبناء على ذلك كانت الصدمة كبيرة لدى قطاعات واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، عندما شاهدوا مقاطع فيديو مما سمي بحفلات التخرج، والتي لو شاهدها شخص لا يعلم عن حقيقتها شيئا، ولم نقل له ما هذا الأمر وتركناه يخمن، لقال بكل ثقة أنه حفل من حفلات المصايف أو الملاهي. 

وهنا أطرح سؤالا أثاره كثيرين.. ما هي علاقة التخرج والحصول على شهادة علمية بالرقص والابتذال الذي شاهدناه، حتى وصل الأمر إلى الانبهار بفتاة تخرج مرتدية عباءة العلم وقبعته، بينما تقدم وصلة من الرقص على طريقة معينة، رآها بعض المشوشين تعبيرا عن هويتها، لترد عليها أخرى بطريقتها الخاصة، وكما قال أحدهم إذا اعتمدنا تلك الطريقة ربما نجد من تقدم فقرة من الرقص الشرقي داخل أسوار الجامعة وأمام أساتذتها، ويقال أن ذلك تعبيرا عن ثقافة منطقتها.. وكأن الهوية أصبحت تعرف بهذه الطريقة المخجلة خاصة أنها من فتيات يفترض أنهن حصلن على شهادة جامعية عليا، وسوف يخرجن إلى الحياة العملية بكل تفاصيلها وهن أمهات المستقبل أيضا. 

أنا بشكل شخصي لا أخفي عدم اندهاشي لما رأيته كوني أشرت إلى شيء كهذا منذ فترة، عندما وجدت عبر صفحات ما يقال عنهم "دي جي" مقاطعا لحفلات يقدمونها أمام حشود من الشبان والفتيات الذين يتمايلون كالسكارى بينما يقف على السرح شاب يشبه المسخ يقوم بالقفز كالقرد أمامهم ومحاولة إثارتهم للتفاعل معه، ويظن أنه مايكل جاكسون، وليته حتى يجيد رقصة معينة ويؤديها مثل الراب أو غيرها، ولكنه فقط عتها ليس إلا، والمفاجأة أن صاحب تلك الصفحة يكتب أعلى الفيديو من حفلة كلية كذا بجامعة كذا، ولا أدري كيف يتم اتخاذ القرار بإقامة هذا العته داخل جامعاتنا أثناء العام الدراسي ولمصلحة من؟ 

ربما لم ير أغلب الناس ذلك خلال الفترة الماضية فكانت صدمتهم قوية مع الانتشار الكبير لذلك المقطع في موسم التخرج.. وكأن جملة "دي جي ساسو" التي انطلقت من التوك توك ظلت تناضل حتى وصلت إلى الجامعات وتصبح شعارا لمرحلة عجيبة لا أعرف كيف وصلنا إليها وبهذه السرعة. 

من المضحات المبكيات أن نرى كوميكس ينشر كسخرية من الأمر، وهو عبارة عن صورة للفنان محمود ياسين في أحد الأفلام يقف مرتديا بدلته الوقورة، وترقص أمامه  الراقصة فيفي عبده، وهو يصفق لها ومكتوب في الأعلى أن ذلك شكل عميد الكلية أثناء انتظاره حتى تنتهي الطالبة من تقديم وصلتها الراقصة ليقوم بتسليمها الشهادة. 

ما يحدث مأساة وجريمة ترتكب في حق هذا الوطن لأنها سلسلة في حلقة انهيار أخلاقي متسارع كالقطار الطائش. 
لا نقول بأن إقامة حفلات التخرج عيبا، وهي عرف سائد ومن المؤكد لكل طالب الحق في أن يفرح بتخرجه لأنها خطوة هامة جدا في مشواره، ولكن ليس بهذه الطريقة أبدا.

ولعل ما يمكن أن يثلج الصدر وسط ما يحدث ذلك الخبر الذي يقول بأن عدد من طالبات جامعة الأزهر تستبدلن حفل تخرجهن بشراء جهاز للغسيل الكلوي بقيمة 185 ألف جنيه والتبرع به.. وهنا نجد دائما أن خيطا من النور موجود يبعث الأمل في النفوس ويقول أنه لا يصح إلا الصحيح. 

لقد حضرت حفلا الجمعة الماضية لتكريم حفظة القرآن والفائقين داخل إحدى المدارس كان برعاية المستشار الجليل "أسامة محمد عبد الهادي" رئيس محكمة الاستئناف، وذلك كنوع من الوفاء لقريته وتشجيعا لأبنائها، رأيت نموذجا مشرفا جمع بين القيمة والترفيه بشكل مدهش، فأثار ذلك حفيظتي لكتابة هذا المقال والتساؤل.. لماذا لا تكون حفلات التخرج بهذه الطريقة الرائعة والمحترمة والماتعة في ذات الوقت.

فقد استمعنا إلى إنشاد ديني من أحد الطلبة، وغناء محترم لطالبة أخرى، وإلقاء لقصائد شعرية، وليس دي جي مختل ربما لا يجيد الإملاء، ولكنه استطاع الوقوف كنجم لامع داخل أسوار جامعة مرموقة ليتحكم في المئات من الطلبة والطالبات وكأننا في مستشفى للأمراض العقلية وربما أكثر. 

فكرة الحفل الذي أشرت إليه مبدعة حيث يتم تقديم الفقرات من الطلبة الموهوبين أنفسهم.. والجامعات مليئة بالموهوبين وهناك فرق مسرحية وفنية وكلية متخصصة تسمى التربية الموسيقية، ولو فكر المسئول عن إقامة حفلات التخرج بهذه الطريقة، لما احتاج الأمر للإنفاق الكبير الذي يتحمله أهالي الطلاب، ولتحقق الغرض بشكل راق يحافظ على هيبة الكيانات العلمية وأساتذتها.
فهل من عودة عن ذلك العبث؟

تابع مواقعنا