السبت 18 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الفريضة الغائبة 2

السبت 18/نوفمبر/2023 - 09:17 م

نوهت في المقال السابق "استراتيجيات مصر الاقتصادية: الفريضة الغائبة"، عن بعضٍ من البرامج والخطط المعنية بضبط منظومة الاقتصاد، والتي تم إطلاقها في السنوات الماضية واستهلكت وقتا وخبرة ومجهودا، إلا أنها ظلت حبيسة الأدراج، ولم تجد سبيلا للتطبيق على أرض الواقع.

وفي الحقيقة، فطالما استمرت إدارة الملف الاقتصادي دون خطة أو استراتيجية واضحة، ولم نكف عن الظن بأن استبدال الأشخاص سيأتي بجديد، فسوف يظل التساؤل مستمرا عن آليات حل ما نعايشه الآن من أزمات، بمعنى أن إنهاء الأزمة الحالية مرهون فقط بالعمل وفقا لخطة بدلا من سياسة العمل القطاعي التي نشهدها في السياسات المتبعة.

أيضا، سوف يظل الاقتصاد المصري معرضًا للصدمات والأزمات طالما لم يرتبط الإنجاز بالبرامج والأداء، وظلّ العمل يمضي دون رؤية أو سياسة واضحة للجميع، فالأزمة الحالية سوف تنتهي حتما كسابقاتها ولكن في اليوم التالي لانتهائها سوف نكون أمام أزمة جديدة لو سارت الأمور دون خطة.. لنعود نساير يوما بيوم!


بشكل مباشر، نحتاج لأن نلعبها إدارة قبل أن نمارس اقتصادا، وهو ما أحاول طرحه في المقال الحالي، مستندا بشكل أساسي على مفاتيح التنفيذ الاستراتيجي السليم التي تتحدد في 5 نقاط تدريجية هي الالتزام بخطة استراتيجية، يتبعها إيجاد التوازن بين الأدوار والاستراتيجية، ثم التأكد من فهم الجميع للخطة، فقياس ومتابعة الأداء، وأخيرا الموازنة بين الحوكمة والإبداع.


قد يكون الحديث بشكل أكاديمي غير مقنع للبعض، إلا أنه في حقيقة الأمر فإن ما نعانيه الآن في الوضع الاقتصادي يرجع في جزء كبير منه إلى غياب الخطط والخطط البديلة والتعامل على حسب توجهات ورؤى الأشخاص دون استراتيجية عامة يعمل الكل في إطارها وفي سبيل تنفيذها.

وهنا تجب الإشارة إلى أنه وفقا لبحوث علوم الإدارة فإن عيوب المنظومة ذاتها هي سبب 80 ٪؜ من المشاكل في التطبيق وليست أخطاء العاملين عليها، بما يؤكد أنه إن انصلحت الخطط وآليات المتابعة فسوف يتحسن الأداء بالطبع.

وتتلخص الخطة الاستراتيجية المطلوبة، في ضرورة العمل على إقرار دستور مصر الاقتصادي بناء على تحديد الهوية الاقتصادية للدولة، والذي يمثل استراتيجية عامة لا تتغير، بما يمثل عقدا اقتصاديا معروفا يتشكل عليه النظام الداخلي ويجعل من خطط الوزارات والتشريعات مبنية عليه وهادفه بشكل أساسي وأوحد لتنفيذه.


وبالمناسبة، إقرار مثل هذا الأمر وإعلانه سوف يعطي طمأنينة لا حدود لها لأي مستثمر خارجي، ففي إطاره سوف نكون بلدا لديه خطة مستقرة لا تقبل التغيرات لا لظرف ولا لسياسة أشخاص، فهذا الإطار الذي سوف يتبعه آليات حوكمة وتوزيع أدوار ورقابة ومؤشرات قياس ومتابعة، يقتصر فيه دور المسئولين على الإبداع في التنفيذ والإنجاز وليس في وضع خطط.

وهو ما نحتاجه بالضبط، فالإبداع في التنفيذ دون الخروج عن النسق يعفينا من وقائع كارثية قد في إدارة الأمور اعتمادا على الأشخاص فقط، ومنها على سبيل المثال واقعة بيع حصص الدولة في شركات أسمدة التزاما بعقد ملكية الدولة الذي يتضمن تخارجا من هذا المجال، ثم بعدها يتم شراء حصص في شركات أسمدة أخرى رغبةً في زيادة إيرادات الدولة من هذا القطاع!

بالطبع إقرار خطة استراتيجية، تتطلب في مرحلتها التالية توزيع الأدوار بشكل متوازن وفهم الجميع للخطة، ثم ضرورة وجود مؤشرات للأداء، وعليه فتقييم الأشخاص في المناصب التنفيذية، لا يصح أن يكون مبنيا على قدرتهم على التعامل في الوقت الحالي دون الالتزام بخطة، وهو ما يعني أن مؤشرات الأداء يجب أن تقود المشهد وأن تكون مسار تقييم الأشخاص، لا أن تكون أمرا ثانويا، بما يصل بنا إلى فاعلية التنفيذ وليس مجرد سرد أهداف أو أعداد المشروعات.


ملخص القول، أن إدارة الدولة من الناحية الاقتصادية في حاجة ماسة إلى العمل بالمنهجيات العلمية في إدارة المؤسسات، خاصة وأن النجاح نفسه لا يمكن أن نصل إليه دون وجود أسلوب علمي ممنهج، حتى نبني عليه مؤشرات تنفيذ الخطط ونحدد في إطاره مستويات الثواب والعقاب سواء على مستوى الأشخاص أو الوزارات، بدلا من الآليات المتبعة حاليا والتي ربما تتركز فقط في قدرة المسئول على إدارة مهمات لا في إدارة أداء فعلي.

كما أن أساسيات بناء وإقرار الخطط الاستراتيجية، تفرض على واضعيها التوافق كذلك على خطة بديلة للظروف الطارئة، فمن غير المنطقي على سبيل المثال، أن تكون أجهزة الدولة ومؤسساتها منهمكة في تطبيق خطة ما ثم تحدث أزمة كما شهدنا في 2020، ونفاجأ بأن الأمور انقلبت تماما وأصبحنا نعمل دون أي تنظيم أو خطة.


أختم حديثي بمقولة شهيرة أستخدمها دوما في مجال عملي لرائد مدرسة الجودة والإدارة الصناعية في العصر الحديث د. إدوارد ديمنج:

‏In God we trust، all others must bring data.

أي أننا لا نثق سوى في المولى عز وجل، أما الآخرون فعليهم أن يقدموا بيانات حتى نقيّم ما أنجزوه، وإذا كنت غير قادر على وصف ما تقوم به كخطة أو عملية فأنت لا تعرف ما تعمل.

تابع مواقعنا