فضل الأشهر الحرم.. لماذا رجب منها وما كفارة الذنب فيها؟
كثيرون لا يعلمون فضل الأشهر الحرم ولماذا اختصها الله تعالى بالذكر تحديدًا دون الشهور الأخرى من العام وحرم فيها القتال والتنازع وظلم النفس، ولماذا انفرد شهر رجب عن الأشهر الأخرى ويأتي منتصف العام، كذلك ما الحكمة في تحريم القتال في هذه الأشهر الأربعة وما أبرز خصائصها، وكيف تكون كفارة الذنوب التي ترتكب فيها؟
كل تلك الأسئلة وأكثر نتناولها في موضوعنا عبر القاهرة 24، مع بيان رأي أهل العلم في كثير من الأمور التي تدور حول الأشهر الحرام وتغليظ العقاب فيها.
فضل الأشهر الحرم
يزيد فضل الأشهر الحرم عن باقي أشهر العام لمزايا تنفرد بها تلك الشهور الأربعة، يأتي في مقدمتها ذكرها في القرآن الكريم بشكل خاص يدل على عظمتها عند الله تعالى وخصوصيتها الدينية، حيث قال المولى عز وجل "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ".
وتدل الآية الكريمة على مكانة الأشهر الحرم الأربعة وهي "رجب وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم"، حيث يخص كل شهر منها بخصوصية ومزية خاصة به، ولكنها جميعًا تندرج تحت حكم واحد وهو حرمة القتال فيها وظلم النفس، ويكون تحريم القتال مطلقًا في حالة بدء القتال من قِبل المسلمين، ولكنه مباح إن كان ردًا على قتال بدأه الأعداء ضد المسلمين.
وحول تفسير حرمة الأشهر الحرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: "ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان". ثم قال: ".. فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت؟ ألا ليبلغ الشاهد الغائب منكم، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من يسمعه".
ويبين الحديث حرمة الأرواح والأعراض وأكل الأموال بالباطل في هذه الأشهر الأربعة، وقد رأى ابن عباس أن الظلم على قولان: "أحدهما لا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتال، ثم نسخ بإباحة القتال في جميع الشهور".
لماذا رجب من الأشهر الحرم؟
ولكن لماذا رجب من الأشهر الحرم وهو منفرد غير متصل بها؟، فإن الأشهر الثلاثة الحرم متتالية وهي المحرم وذو الحجة وذو القعدة، بينما يأتي شهر رجب منتصف العام الهجري وتحديدًا الشهر السابع، وحول ذلك يرى علماء أن انفراد رجب عن الأشهر الحرم قد يكون بسبب تمكين المسلمين من أداء العمرة منتصف السنة، وتجميع الشهور الثلاثة المتوالية من أجل فريضة الحج.
كفارة الذنب في الأشهر الحرم
ورغم أن السيئات تعظم في رجب، إلا أن كفارة الذنب في الأشهر الحرم واحدة كباقي الشهور في السنة، إذ يتوجب على المسلم التوبة وكثرة الاستغفار والإنابة إلى الله تعالى.
وقال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، في تصريحات سابقة له، إن من يتجرأ على ارتكاب المعاصي والذنوب في شهر رجب أو الأشهر الحرم عمومًا تحسب له المعصية بعقاب مضاعف، فتتضاعف السيئات كما تتضاعف الحسنات، لذلك فالشهر الحرام فرصة لعمل الطاعات والبعد عن المعاصي والذنوب، فكما يضاعف فيه الثواب ويضاعف فيه أيضا العقاب.
وقال العلماء في تفسير "فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ"، إن عقاب الظلم في الأشهر الحرم يضاعف لأن الله جعل زمانها سلامًا واجبًا وأمانًا لازمًا؛ ومخالفة ذلك توقع الإنسان في ظلم نفسه لأن الذنوب فيها أعظم من غيرها.
وقال ابن كثير رحمه الله: كما أن المعاصي في البلد الحرام تُضاعف لقوله تعالى: "وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام.
بينما أوضح الواحدي في "البسيط" إن معنى الحرم أنه "يعظم انتهاك المحارم فيها، بأشد مما يعظم في غيرها"، وكانت العرب تعظمها، حتى لو لقي الرجل منهم قاتل أبيه: لم يُهِجْه، أي لم يقاتله.
الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم
وقالت دار الإفتاء المصرية إن الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم هي:
- الإكثار من فعل الخيرات.
- ترك المنكرات خاصة أن الله اختصها بالفضلِ والشرف والنفحات.
- الصيام: من أراد صيام شهر المحرم كاملًا فلا حرج عليه؛ لأن الصيام فيه مندوب، وكذا بقية الأشهر الحرم، وأفضلها المحرَّم.
يضاف إلى ذلك استحباب العمرة في رجب والحج في ذو الحجة، وصيام العشر من ذي الحجة واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في صيام أيام التشريق الثلاثة منتصف كل شهر هجري، أو الأيام البيض، كذلك العفو عمن ظلمك وعدم ارتكاب المعاصي وكثرة قراءة القرآن والدعاء في شهر رجب وسائر الأشهر الحرم والذكر وصيام اثنين وخميس والإكثار من صيام شهر المحرم.
خصائص الأشهر الحرم
تتمثل أهم خصائص الأشهر الحرم في خصوصية كل شهر على حدا، وهي كالتالي:
- ذو القعدة: بفتح القاف أو كسرها، سمي هكذا لقعود المؤمنين فيه عن القتال والترحال استعدادًا للحج.
- ذو الحجة: بكسر الحاء أو وفتحها سمي بذلك لإيقاعهم الحج فيه.
- رجب: أي يعظم أو المعظم، فقد كان العرب في الجاهلية يعظمونه دون الشهور الأخرى.
- المحرم: وفيه اعتزم المسلمون الهجرة إلى المدينة.
وأوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن الأشهر الحرم الأربعة فيهن خصائص تميزها عن غيرها من الشهور وهي:
- تشتمل على فرائض وعبادات موسمية ليست في غيرها، واجتماع أمهات العبادات في هذه الأشهر، وهي: الحج، والليالي العشر من ذي الحجة، ويوم عرفة، وعيد الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عاشوراء، وليلة الإسراء والمعراج على المشهور.
- يضاعف الله فيها لعباده الأجر والثواب، كما يضاعف عاقبة الإثم والذنب، لعظمة وحرمة هذه الأشهر.
- يحرم القتال فيها؛ قال تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ". تشديد حرمة الظلم فيها؛ قال تعالى: "فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم"
- فيها فريضة الحج التي تكفر جميع الذنوب وتعد أعظم عبادة.
- فيها الشهر الذي حملت فيه السيدة آمنة بنت وهب بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو رجب.
- فيها يوم عاشوراء الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر السنة الماضية، وهو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه.
- فيها يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم القر، وأيام التشريق، وهي من أعظم الأيام عند الله، وعيد الأضحى.
- فيها عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها في كتابه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من أفضل الأيام، وأن العمل الصالح فيها أعظم من غيرها.
