الأحد 28 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

لن أعطيك الأنسولين لتحيا.. إسرائيل تقتل أطفال غزة من بوابة مرض السكري

غزة
أخبار
غزة
الخميس 08/فبراير/2024 - 03:56 م

في ليلة من ليالي ديسمبر الباردة، بيد مرتعشة وقلب يعتصر من الألم، اضطرت العمة شيماء منصور على مدار أسبوعين لإعطاء الطفلة لينا جرعات أنسولين منتهية الصلاحية، خشية تعرض صغيرتها إلى مضاعفات السكر بعد تدهور حالتها الصحية وظهور علامات ارتفاعه من انتفاخ المعدة وتنميل الأطراف، إثر اختفاء الأنسولين من صيدليات وأسواق غزة جراء حرب إسرائيلية تقتل كل سبل الحياة منذ أكتوبر الماضي ومازالت مستمرة.

لينا منصور، التي تزحف نحو العام الثامن من عمرها، واحدة من بين أكثر من 60 ألف مريض بالسكري في قطاع غزة، تقتلهم إسرائيل بالبطيء، فلم يكن اختفاء الأنسولين من غزة وليدة اللحظة بل يتوحش الاحتلال في أساليب إبادة الشعب الفلسطيني في القطاع، ففي يناير الماضي، خرج جيمي ماكجولدريك منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في فلسطين، وقال إن إسرائيل حظرت إدخال أقلام الأنسولين إلى القطاع.

حرب إسرائيل الغاشمة على قطاع غزة برًا وبحرًا وجوًا، لم تترك طفلا ولا كهلا ولا امرأة أو حتى الأجنة في بطون أمهاتهن دون توجيه طلقاتها صوبه أملا في التخلص من الفلسطينيين بمختلف أطيافهم داخل القطاع الذي تبلغ مساحته 365 كيلو مترًا مربعًا، ويحتضن بين جنباته الضيقة 2.3 مليون إنسان؛ لتتجه إلى محاربة المرضى وخاصة الأطفال البالغ عددهم نحو 1.06 مليون طفل دون سن الثامنة عشرة بنسبة 47% من سكان القطاع، وسلاحها في تلك المرة تتمثل في منع الأدوية.

مزق قلب العمة شيماء منصور نوعان من الألم: ألم الخوف على صغيرتها وألم الحزن على حال بلادها: "والله قلبي بيتقطع بس ما فيش أي شيء بأيدي أقدر أعمله، وحتى الآن ما فيش حل غير إننا نسيبها على الله، ناس كتير معندهاش أنسولين ومفيش حل أو بديل، الأنسولين أهم من الأكل والشرب بالنسبة لي، بناشد وبطالب ولكن ماحدش سامعنا الأطفال من حقهم يعيشوا كأي طفل.. لكن للأسف هذه غزة وهذا حالها».

الأنسولين منتهى الصلاحية يكون غير فعال، فنكون أمام مريض لا يأخذ جرعته الكافية من الأنسولين وكأنه لم يأخذ، أو غيبوبة سكر وظهور اسيتون في البول، وقد يحتاج المريض إلى الدخول للمستشفى، كلها أعراض قد تظهر على المريض نتيجة لتفويت جرعة واحدة فقط من الأنسولين، فماذا لو أكثر من جرعة أو أخذ جرعات غير كافية ؟!.. المضاعفات أعنف وأشد وأسرع، وفقًا لحديث الدكتور أشرف السعيد، استشاري أمراض الكلى والسكر والغدد الصماء مع القاهرة 24.
 

البحث عن الأنسولين وسط القصف
 

بدأت أزمة نقص الأنسولين مع الأسرة منذ الأسبوع الأول من الحرب، ففي البداية كان يتوفر في الصيدليات ولكن بضعف سعره الأصلي، وبعدها انقطع من الأسواق، قرابة الشهرين أخذ الأب في البحث عن بديل لنوعين الأنسولين اللذين يحتاج إليهما جسد الصغيرة، وسط القصف الشديد، وبالأخير اضطروا لإعطائها جرعة منتهية الصلاحية، حتى عثر الأب على بديل بصيدلية بمنطقة خطرة واضطر للمخاطرة بحياته لإنقاذ صغيرته.

الطفلة لينا

الصغيرة تذبل يوما بعد يوم لتدهور حالتها الصحية، بفعل ارتفاع السكر، فبجانب حرمانها من الانسولين، يلازمها الشعور بالخوف والبكاء، اللذان يرفعان من السكر لدى المريض، إثر النزوح من مكان إلى آخر وشبح الموت الذي يحاصرها ومشاهده التي لا تفارقها، لتقف أمها الفتاة العشرينية عاجزة: «بحاول اطمنها لكن ما بقدرش، بتتعب وحالتها بتسوء مع الأيام.. لنا الله».

المعاناة نفسها تتكبدها «ن.م»، فتاة رفضت ذكر اسمها، والتي أثر ارتفاع السكر على أعينها ورؤيتها بسبب نقص الأنسولين، فأصبح تشويش الرؤية وألم العينين هو دليل عبير أبو رمضان «الأم» على ارتفاع سكر صغيرتها حاليا في ظل افتقارها لشرائح الفحص لخلوها من الأسواق أيضًا.

لم تدع الأم بابا إلا طرقته بحثًا عن أقلام الأنسولين وشرائح فحص السكر، إلا أن الرد يكون نفسه في كل مرة «غير متوفر» باختلاف الجهات، من الأونروا والمستشفى الإماراتي الميداني والمستشفى الكويتي وغيرها، وبلسان شاخ من ثقل الحمل تتساءل الأم: المستشفيات مكتظة بجرحى الحرب ولا تستقبل الحالات، ماذا عن بنتي إذا هاجمتها غيبوبة السكر؟!».

الفتاة ذات الـ 16 عامًا أصيبت بسكر الأطفال عقب حرب 2014 بالقطاع، من شدة الخوف، حيث قصف مبنى وهي بداخله وقدر الله لها النجاة، ومنذ ذلك الحين تعيش بالسكري في جسدها النحيل، وفي حرب 2023، في ظل الخوف الشديد من القصف والنزوح من مكان إلى آخر وعدم توافر الطعام الصحي المناسب أصبح الأمر أكثر صعوبة وزاد من المعاناة شيئا فشيئًا، لتضطر الأم إلى تجويع الفتاة والاقتصار على تناول الحليب والبندورة بكميات صغيرة، وتعويض العناصر الغذائية بالمحلول الملحي؛ لمواجهة ارتفاع السكر.

استشاري السكر، يحذر من عدم أخذ الأنسولين بالجرعات الكافية والمناسبة للمريض، حيث غياب الأنسولين عن مريض السكر يكون له مضاعفات بالغة على صحته، بداية من التأثير على العين والتهاب الأعصاب، كما يتأثر الجهاز العصبي بشدة وكذلك الكلى والقلب.

وفي الأيام الأولى من الحرب كانت الأم تملك كمية من أقلام الأنسولين حصلت عليها من الأونروا قبل بداية الحرب، وما إن اشتعل لهيبها بدأت بتقليص كمية الأنسولين وكذلك وجبات الطعام للفتاة، حتى نفدت الجرعات منذ أكثر من شهر، وفي رحلة البحث عن الأنسولين لم تجد الأم حلا سوى أنسولين للكبار وهو غير مناسب نهائيا لصبيتها ولكن من باب الجهود المبذولة لمواجهة ارتفاع السكر.

«نعيش بجحيم لا ينتهي.. كل ما تطلب الذهاب إلى الحمام تبكي».. يحتاج مريض السكر إلى الذهاب للحمام 10 مرات يوميًا، وفق التقارير الطبية، وهي أزمة أخرى يعيشها مرضى السكري بغزة من النازحين، حيث توجد عبير وصغيرتها على مقربة من الحدود المصرية بمدينة رفح، قائلة: إحنا موجودين بخيام للنازحين والوضع الصحي خطير جدا، يوجد حمام مشترك لعشرات العائلات على بعد 400 متر، ويشكل ضغط كبير على مرضى السكر.. فتخيلي صبية تقف طابور على الحمام، حتى أصبحت تخاف تأكل أو تشرب ميه عشان ما تروحش الحمام.

الدكتور أشرف السعيد استشاري أمراض الكلى والسكر والغدد الصماء، أوضح أهمية الأنسولين لمرضى السكر خاصة الأطفال منهم، فعادة ما يكونوا من النوع الأول المعتمد على الأنسولين، ويعد الأنسولين علاج أساسي له؛ لأن البنكرياس عادة لا يخرج أنسولين أبدا، فيأتي دور الأنسولين لضبط السكر خاصة النوع الأول وأيضًا النوع الثاني، مضيفًا أن ارتفاع السكر يؤثر على القلب فهناك ارتباطا قويًا بين السكر والكلى والقلب ويؤثرون على بعضهم البعض، كما أنه يؤثر على جميع أجهزة الجسم تقريبًا، المضاعفات تكون عنيفة، ويستلزم الحفاظ على السكر في نسبه الطبيعية لتجنب المضاعفات التي تزيد على مدار السنوات.

جمعية حيفا لأطفال مرضى السكري

عوني شويخ، المدير التنفيذي لجمعية حيفا لأطفال مرضى السكري الجمعية الأولى في فلسطين التي تهتم بأطفال مرضى السكري الأقل من 18 عامًا، يقول خلال حديثه مع القاهرة 24، إن القطاع يعاني من نقص حاد جدا في أقلام الأنسولين، حيث بدأت الأزمة تظهر في بداية الحرب منذ أكتوبر الماضي، وكانت وكالة الغوث توفر الأنسولين للمرضى ولكن الآن لم يعد متوفر لديها والوضع نفسه في وزارة الصحة الفلسطينية.

عوني شويخ

«إذا فقدنا الأنسولين فحياة الأطفال كلها معرضة للخطر.. أكثر من 750 طفل مسجلين لدى الجمعية يعانون من نقص الأنسولين من بينهم أنا شخصيا، استقبلنا مناشدات واستغاثات بسبب نقصه، يوجد بديل الأقلام ولكنه لا يساعد على ضبط مستويات السكري ويسبب مشاكل أخرى»، هكذا يقول عوني.

ومن جانبها، حذرت الصحة العالمية، من وضع أصحاب الأمراض المزمنة في قطاع غزة، موضحة أن هناك الآلاف آخرين داخل قطاع غزة يحتاجون إلى الحصول على الخدمات الصحية العاجلة والأساسية في ظل نقص الأدوية والإمدادات الصحية والمساعدات الأخرى، مثل الوقود والمياه والغذاء، ومن بين الفئات الأكثر حاجة للرعاية الصحية، يوجد آلاف المصابين بجروح خطيرة من المدنيين -كثير منهم من الأطفال-، وأكثر من 1000 مريض يحتاجون إلى غسيل كلوي للبقاء على قيد الحياة، وأكثر من 2000 مريض يتلقون علاجًا للسرطان؛ و45 ألف مريض بأمراض القلب والأوعية الدموية؛ وأكثر من 60 ألف مريض بالسكري.
كما شددت الصحة العالمية، أن هؤلاء المرضى يجب أن تتوافر لهم باستمرار فرص الحصول على الرعاية الصحية داخل غزة؛ ولتحقيق ذلك، يجب حماية المستشفيات والمنشآت الصحية من القصف ومن استعمالها لأغراض عسكرية.

تابع مواقعنا