الجمعة 03 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

المشهد الحقيقي

الجمعة 19/أبريل/2024 - 01:55 م

التعليم هو قاطرة تنمية الشعوب، بل هو حجر الأساس التى تقوم عليه نهضتها وتنميتها، هو الطريق الى المستقبل وتحقيق الرفاهية والتنمية، فبناء الإنسان هو اساس كل تقدم ورقى فى حياة الأمم.

لا نريد البكاء على الأطلال، ونتذكر ما كانت فيه الأمة العربية من تقدم وقت كانت أوروبا تعيش في ظلمات، وحضارتنا المصرية القديمة عرفت الفلك والرياضيات والطب وكل أنواع المعرفة قبل ذلك بآلاف السنين، وننظر إلى وضعنا البائس الآن.

علينا أن نعترف بالحقيقة، حتى نستطيع مواجهتها، لا نريد تجميل شيء خاطئ، يجب أن نعترف بالقصور الناتج عن تعاملنا مع التحديات التي نواجهها لنغيير هذا الوضع المتردى.

بالأمس القريب قرأنا تصريحات السيد وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى عن أن التعليم الفني هو قاطرة التنمية في مصر، وهذا كلام حقيقي فعلا، لكن ما هي الآليات التي قمنا بها لكي نحقق هذا التحدي ونجعل من التعليم الفني قاطرة للتنمية؟ 
أعترف أن المدارس التكنولوجية الجديدة بداية مهمة وقوية لتخريج عمالة مدربة وجاهزة للتشابك مع سوق العمل، ولكن تلك مدارس محدودة ومرتبطة بشركات كبرى وهو أمر محمود نريد زيادته، فحديثي الآن عن المدارس الفنية في كل أنحاء الجمهورية.

فقد شدني عنوان في صحف اليوم الخميس عن توقيع خطاب نوايا بين المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة -ابدأ- والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بهدف تعزيز أوجه التعاون المشترك وتبادل الخبرات لتطوير مؤسسات التعليم الفني والتدريب المهني وفقا للمعايير الدولية وخلق فرص عمل ووضع الإستراتيجيات لتعزيز الوعي بأهمية التعليم الفني.

على المستوى الشخصي قد مللت من برتوكولات الغرف المغلقة، والكلام المنمق والوعود البراقة وتزيين المشهد بدون إدراك للحقيقة والواقع.
فهل ينفق على التعليم النسبة المقررة طبقا للدستور؟
هل تقوم الهيئة القومية لتطوير التعليم بدورها؟ 
هل لدينا بنية تحتية متوافرة بها المعامل والأجهزة والمعدات وقادرة على التعلم طبقا للتطور التكنولوجى السريع؟
هل لدى أولياء الأمور الوعي والثقافة لأهمية التعليم الفني أم هو وضع اجتماعي يرغم أولياء الأمور على إلحاق أبنائهم بأي مدرسة فنية من أجل أن يكون معه شهادة، أو أن يعفى من سنة من الخدمة العسكرية؟ تلك هي الحقيقة وليس شيء آخر.
أتمنى على السيد الوزير أن يذهب إلى أي مدرسة فنية في زيارة مفاجئة، ويصطحب معه كاميراته ويسجل لنا بكل أمانة ما سوف يشاهده على الطبيعة.

لي إحدى القريبات مُدرِّسة في إحدى تلك المدارس الفنية، وما تذكره حقيقة مؤكدة أنه لا تعليم يحدث ولا طلبة تحضر الى الدروس إلا نادرًا وفي وقت محدد يختفي كل الطلبة، بل هناك من يرغم الطلبة على عدم الحضور في نهاية كل فصل دراسي، ولا ورش تُعمل ويُتعلم فيها الطلبة إنما تُعمل على استحياء، ويتم إهمال المواد الثقافية، والمواد العملية يكون نصيبها الدروس الخصوصية التي تنهك جيوب الأهالي وتثقل معاناتهم، ومسؤولين الورش (العملي) يتعاملون مع معداتهم على أنها عهدة حكومية يجب أن لا تعمل حتى يتم تسليمها بحالتها، مع أن تلك المدارس يجب أن تضيف إلى المجتمع بإنتاجها ويتم عمل معارض لهذا الإنتاج لتظهر أهميتها للمجتمع ولتتغير النظرة السلبية.

وتحكي لي واقعة حقيقية حدثت لمدرسة زميلة لها في بداية تعيينها، وأنها كانت خريجة كلية التربية طبيعة وكيمياء، وليس في المدرسة مدرس كمبيوتر، فتم تكليفها بغرفة المعمل وتسليمها أجهزة الكمبيوتر مع أنها لا تعلم شيئا عن الحاسب الآلي، والأغرب أن المدير المسؤول قال تلك الأجهزة عهدة ولا يجب العبث بها أو تشغيلها إطلاقا وهذا ما حدث.

وذلك مثل موظف لم يقرأ كتابا في حياته ويتم تكليفه بأنه أمين مكتبة المدرسة والتي لا تفتح أبوابها إطلاقا للتلاميذ، إنما هي مجرد ملتقى هادئ لأصدقاء هذا الموظف. 

ناهيك عن أن طلبة الفرقة النهائية لا تحضر إطلاقا، وتكتفي إدارة المدرسة بالتشديد على الحضور والانصراف للمدرسين، ثم نقرأ عن سفريات لعدد من المدرسيين إلى إحدى الدول الأوربية لاكتساب الخبرات وإهدار مال عام متعمد على معلمين لا نستفيد منهم في الأساس.

ناهيك عن العجز الصارخ في عدد المعلمين، وضعف رواتبهم، وعدم الرقابة والمتابعة، وعدم توفير الدعم المالي والميزانيات اللازمة للتدريب، كذلك النظرة المجتمعية لخريجي التعليم الفنى، والتصريحات غير المسؤولة والكاذبة لتحسين الوضع المتردى.

سيدي الوزير يجب أن يكون هناك اهتمام حقيقي بالتعليم الفني، والاستثمار في طالب قادر على الإبداع والابتكار وتمكينه من متطلبات سوق العمل. سياسات التعليم الحالية لم تتمكن من التعامل مع تحديات الوضع المتردي للخدمات التعليمية، لذا يجب التكاتف مع المجتمع المدني والقطاع الخاص، والتوسع في إنشاء مؤسسات تعليمية بالمشاركة معهم، تفعيل الدور الرقابي علي المناهج التعليمية لضمان تحقيق الجودة وضمان مواكبتها لاحتياجات سوق العمل، والتوسع فى مثل تلك البرتوكولات الحقيقية والفاعلة مع مؤسسات دولية للاستفادة من خبراتها.

والتوسع في الشراكة مع المصانع والشركات بالقطاع الخاص بتدريب الطلاب، وتهيئتهم للالتحاق بسوق العمل فور إنهاء دراستهم، والعمل دائما على التطوير والإبتكار سواء فى المناهج وأساليب التعلم لمواكبة التطور الدائم وسوق العمل.
فلا شيء مستحيل طالما كانت هناك رغبة حقيقية في التطوير والتطور.

تابع مواقعنا